ad general
قصص قصيرة

القضيه

ads

في بغداد عاصمة العراق كان موسى ولد في السابعة من عمره لكن ملامحه لم تكن تشبه الأولاد. جسده النحيل لم يحمل سوى وعيناه ما عادت تعرف النوم.
كان جسده الصغير أقرب إلى ظل إنسان وكأن الأيام نزعت منه لونه وابتسامته.
عاش في بيت لا يعرف الدفء في غرفة صغيرة لا يدخلها النور تحت يد امرأة امتلأ قلبها بالحقد فقط لأنه لم يكن ابنها.
كانت تضربه كل يوم تجبره على الوقوف بالساعات . لم يكن يصرخ كثيرا لأنه تعلم أن الصراخ لا ينقذ أحدا. كان يحتمل بصمت حتى توقف قلبه.
كان يعرف أن أي صرخة قد تجلب له مزيدا من الألم لذلك كان يبتلع أنينه كما يبتلع لقيمات الطعام الجاف الذي يرمى إليه أحيانا.
لم يمت فجأة. موسى لم يسقط مرة واحدةوينتهي كل شيء. موته كان طويلا وبطيئا بدأ منذ سنوات. كل صفعة خصمت من عمره. كل ليلة قضاها واقفا وهو يترجى النوم كانت تقتله ببطء.
كانت أيامه تتشابه عقوبة تتبعها أخرى وليل لا يعرف فيه سوى الجوع والبرد.
كانت عذراء زوجة أبيه لا ترى فيه طفلا بل شوكة في صدرها دليلا على زواج سابق تكرهه فصبت عليه كل غضبها وكرهها وكأنها تنتقم من وجوده.
كانت تتعامل معه وكأنه عدو شخصي تنظر إليه نظرة تحمل كل الاحتقار وكأن مجرد أنفاسه تثير غضبها.
كانت تتركه في المطبخ واقفا بالساعات بلا طعام بلا ماء تنام وأطفالها في الغرفة الأخرى وتتركه وحده يتوسل أن ينام أن يجلس أن يضع رأسه للحظة لكنها كانت تدخل عليه تمسكه من أذنه ثم تقول هذا تأديب.
كان قلبه الصغير يسأل نفسه هل كل الأمهات يفعلن هذا لكنه لم يجد جوابا سوى صدى الصمت في أذنيه.
كان يصرخ يرتجف يتوسل وهي لا ترف لها عين.
لكنها لم تكن تراها جريمة بل كانت تقول إنها طريقة للتربية.
ظل أياما يمشي متعثرا يمد يديه أمامه ليتجنب الاصطدام بالأشياء لكنه كان يصطدم دائما بوجهها الغاضب.
قال شقيقه الأكبر كانت تضربه كانت ترفسه بقدمها كان ينام وهو واقف.
وفي كل مرة كان يغيب عن الوعي كانت ترش عليه الماء فقط لتعيده إلى الحياه.
لم يكن الغرض أن يتوقف عن الخطأ بل أن يظل تحت سيطرتها يتألم كلما أرادت.
حتى جاء اليوم الأخير. جسده لم يعد يتحمل.
كان وجهه شاحبا عيناه نصف مغمضتين أنفاسه بطيئة. ومع ذلك لم تر فيه سوى ولد مشاغب.
قالت إن المۏت كان مفاجئا. قالت إنها لم تكن تقصد. لكن الطبيب العدلي كان أوضح من الجميع.
كما وثق التقرير نفذت بأدوات على فترات تدل على إيذاء مقصود وممنهج لا يمكن تبريره أو تجاهله.
هذه كانت أشبه بتوقيع على سنوات كل واحدة منها تحكي عن ليلة ألم أو يوم قسوة.
التقرير قال موسى ضحېة متلازمة الطفل المعنف ماټ نتيجة وليس حادثا عرضيا.
كلمات التقرير كانت كصفعة على وجه المجتمع تذكره بأن الصمت أمام الألم جريمة بحد ذاتها.
القضية وصلت إلى المحكمة. وقفت عذراء أمام القاضي وقالت إنها كانت تؤدبه.
لكن الأدلة والاعتراف وصور جسده جعلت الحقيقة أبشع من أن تغفر.
لم تعد كلمة تأديب مقبولة حين تصبح اليد أداة قتل بطيء.
صدر الحكم الأول بالسجن


15 عاما فقط بموجب المادة 410 ضرب أفضى إلى المۏت.
فخرج الناس في الشوارع غاضبين ېصرخون باسمه يرفعون صور جسده ويطالبون بالعدالة.
الهتافات كانت تمزق صمت المدينة
حق موسى ما يضيع
لا للعنف ضد الأطفال
وأخيرا في نوفمبر أعيد النظر في القضية وأصدرت محكمة التمييز الحكم السچن المؤبد الجنابي پتهمة القټل العمد.
كان القرار بمثابة انتصار معنوي لكنه جاء متأخرا فموسى كان قد غادر هذه الدنيا منذ زمن.
اللهم خذ بحق موسى وارفع صوته الذي خنقوه وارحمه كما حرم من الرحمة واجعل كل من شارك في ألمه وفي ألم كل طفل سكت على وجعه عبرة تمشي على الأرض لا تجد راحة في نوم ولا في قبر.
تنويه مهم
نؤكد أن هذا المقال يتناول چريمة فردية لا تمت بصلة إلى أي شعب أو مجتمع. كل مچرم أو خارج عن القانون لا يمثل إلا نفسه ولا يجوز أبدا تعميم أفعاله على أي فئة أو أمة. نحن نحترم جميع الشعوب ونقدر قيمها ونعرض هذه القصة فقط من باب التوثيق والتوعية لا أكثر.
رحل موسى لكنه لم يرحل وحده.
ترك وراءه أسئلة موجعة وجرحا مفتوحا في قلب كل من سمع قصته. كيف يمكن أن يتحول البيت الذي يفترض أن يكون حصن الأمان إلى ساحة كيف يمكن ليد كان ينبغي أن تمسح الدموع أن تتحول إلى سوط يجلد بلا رحمة
موسى لم يكن مجرد طفل قتل موسى كان شاهدا على أن العنف حين يسكن القلوب يقتل كل ما هو جميل في الإنسان.
كل صفعة وجهت إليه كل ليلة جوع وبرد كل لحظة وقف فيها يتوسل النوم كانت رسالة تحذير لنا جميعا لكنها وصلت متأخرة وصلت حين توقفت أنفاسه.
إن ما حدث لموسى ليس قصة عابرة تنتهي بصدور حكم قضائي.
هذه الحادثة يجب أن تبقى محفورة في الذاكرة لتكون جرس إنذار لا يتوقف عن الرنين.
لا بد أن نعيد النظر في أنفسنا في مجتمعاتنا في قوانيننا حتى لا يتحول أطفال آخرون إلى موسى جديد يموتون بصمت داخل جدران بيوتهم بعيدا عن أعين العالم.
القوانين يمكن أن تحكم بالسجن لكن الضمير هو الذي يحكم على القلوب.
إذا لم نتعلم أن نمد أيدينا لرفع الطفل الذي يسقط وأن نصغي لنداءاته قبل أن تتحول إلى صمت أبدي فنحن شركاء في الجريمة حتى لو لم نلمس سلاحا أو نرفع يدا.
موسى اليوم تحت التراب لكن صورته وهو يبتسم قبل سنوات وصورته بعد أن أطفأ العنف حياته ستبقى تلاحق كل من كان قادرا على إنقاذه ولم يفعل.
سيبقى اسمه يرفرف في الشوارع وفي حملات التوعية وفي الدروس التي تلقى عن حقوق الطفل ليكون شاهدا ودليلا على أن الصمت خيانة وأن الخوف من التدخل في شؤون الغير قد يقتل الأبرياء.
فلنجعل من قصته بداية لا نهاية.
لنرفع أصواتنا ضد أي إساءة مهما بدت صغيرة لأن الشر يبدأ بخطوة واحدة ولأن الإهمال قد يكون القاتل الأول.
ولنتذكر أن الأطفال أمانة وأن الرحمة هي اللغة الوحيدة التي يجب أن تخاطب بها قلوبهم.
اللهم اجعل موسى طيرا في جنانك ينعم بما حرم منه في الدنيا وألبسه ثوبا من نور وأبدله بيتا في الجنة بدل الغرفة المظلمة التي حبس فيها.
اللهم
اجعل قصته نورا يهدي القلوب ودرعا يحمي الأطفال وصوتا لا يخفت حتى يتوقف الألم عن كل بيت.

ads

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock