قصص قصيرة

“ظلّ الحب القديم”


“ظلّ الحب القديم”


كانت علياء تشعر أن القدر أخيرًا ابتسم لها. التقت بعلي في معرض للكتب بعمّان، حيث كان يقلب صفحات رواية تحبها هي أيضًا. نظرة واحدة كانت كافية لتفتح بينهما بابًا من الدهشة، تلتها ابتسامة خجولة، ثم حديث امتدّ لساعات.
بعد أشهر قصيرة، صار علي وعلياء لا يفترقان، يجمعهما حبّ نادر الهدوء، يشبه المطر حين يأتي بعد صيفٍ طويل.


تزوّجا وسط فرح العائلة، وكانت الأيام الأولى أشبه بحكاية وردية. علياء كانت تقول لصديقتها:

“كأن علي وُجد لي وحدي، لم أصدق أن هناك حبًا بهذه الطمأنينة.”
لكن خلف هذا الهدوء، كان هناك شيء صغير يختبئ في عيني علي كلما سُئل عن ماضيه… صمتٌ يقطعه بابتسامة متكلّفة.


بعد مرور عامين، بدأت الغيوم تتجمّع. علياء لاحظت أن علي صار شاردًا، يكتب رسائل ثم يحذفها، يتلقى مكالمات غامضة في منتصف الليل، ويتغيّر صوته فجأة بعدها.
وفي ليلة باردة، وجدت رسالة على هاتفه لم يُرسلها بعد. كانت تقول:

“سامحيني يا مريم، لم أنسَك يومًا.”
تجمّد الدم في عروقها… من هي مريم؟


واجهته علياء في اليوم التالي، لكنه أنكر بشدة. قال إن “مريم” مجرد اسم في قصة يكتبها، وإنها تسيء الظن به.
لكن قلب علياء لم يهدأ. شعرت أن هناك من يعيش بينهما… امرأة غائبة، لكنها أقوى من وجودها هي.


بعد أيام، وبينما كانت تنظّف مكتب علي، وجدت صندوقًا صغيرًا مخبّأ خلف الكتب. داخله صور قديمة لعلي مع فتاة سمراء تبتسم بعفوية. خلف الصورة مكتوب:

“إلى الأبد… مريم.”
عندها انهارت علياء. أدركت أن الحب الذي تعيشه لم يكن سوى محاولة نسيان من طرفه.

لكن ما صدَمها أكثر… أن تاريخ الصورة كان بعد عام من زواجهما.


واجهته للمرة الثانية، فانهار علي واعترف.
قال إنه كان على علاقة بمريم قبل الزواج، وإنها تركته دون تفسير. وعندما عاد يبحث عنها بعد عامين، اكتشف أنها كانت مريضة، وأنها توفيت قبل شهر.
قال وهو يبكي:

“ظننت أني تجاوزتها… لكن موتها أيقظ كل شيء دفنتُه.”
صرخت علياء:
“دفنتَها؟ أم دفنتَني أنا معها؟”


غادرت علياء المنزل تلك الليلة. لم تطلب طلاقًا، فقط تركت خاتم الزواج على الطاولة.
بعد أيام، تلقّت رسالة من علي يقول فيها:

“لو تعلمين أني فقدت نفسي حين فقدتك، ربما سامحتِني.”
لكنها لم تردّ.
بعد شهرين، وصلها خبر أن علي تعرّض لحادث سير مروّع أثناء عودته من زيارة قبر مريم.


ذهبت علياء لزيارته في المستشفى، وجدته بين الحياة والموت، يهمس باسمها.
اقتربت منه وقالت:

“سامحتك… لكني لن أعود.”
ابتسم علي ابتسامة باهتة، ثم همس:
“الآن أستطيع أن أنسى مريم…”
وأغمض عينيه إلى الأبد.
خرجت علياء من الغرفة، والدموع تنهمر… شعرت أن الحبّ الذي جمعهما، رغم كل الألم، كان حقيقيًا حتى النهاية.


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock