
“ماري إلين… الطفلة التي جعلت العالم يعترف بحقوق الأطفال”
في شتاء عام 1874، كانت مدينة نيويورك تعيش عصر الازدهار والتطور، الشوارع مزدحمة، المصانع تملأ الأفق، والأضواء تلمع فوق ناطحات السحاب الأولى في التاريخ… لكن، خلف تلك الأضواء، وفي أحد الأحياء الفقيرة، كانت طفلة صغيرة تعيش في ظلامٍ لا يعرف له حدًّا. اسمها ماري إلين ويلسون.
كانت يتيمة منذ صغرها، أخذتها امرأة من دار الأيتام لتكون “ابنتها بالتبني”، لكن تلك المرأة لم تكن أماً… بل كانت جلّادة. كانت ماري إلين تتعرض لأقسى أنواع التعذيب: كانت تُضرب يومياً بعصا خشبية حتى تنزف، وتُجبر على الوقوف ساعات طويلة دون طعام أو شراب، وتُمنع من الخروج أو حتى من الكلام. كان جسدها الصغير مليئاً بالكدمات والجروح، وعيناها تخفيان خوفاً لا يوصف.
بدأ الجيران يسمعون صرخات الطفلة تتسلل من وراء الجدران كل ليلة. لكن لا أحد كان يستطيع فعل شيء… فالقانون في ذلك الوقت لم يكن يعترف بحقوق الأطفال. لم يكن هناك أي قانون يعاقب على تعذيب طفل، وكأن الأطفال لم يكونوا بشراً يستحقون الرحمة.

إلى أن قررت امرأة تُدعى إيتا ويلر، وهي واحدة من الجيران، أن تفعل المستحيل. ذهبت إلى السلطات… لكن لم تجد أي استجابة. فخطرت ببالها فكرة غريبة: ذهبت إلى جمعية منع القسوة على الحيوانات! وقالت لهم:
> “إذا كان القانون يحمي الحيوانات من التعذيب… فكيف لا يحمي طفلة بشرية؟”
تأثر أعضاء الجمعية بكلامها، وقرروا المساعدة. أرسلوا محققاً ليتأكد من الأمر، وما رآه كان صادماً: الطفلة كانت في حالة يرثى لها، وجهها متورم، شعرها متسخ، جلدها ممزق، وثيابها بالكاد تغطي جسدها النحيل.
تم رفع القضية إلى المحكمة، وهناك وقف الدفاع ليقول:
> “لا يوجد في القانون ما يمنع ضرب الأطفال.”
لكن القاضي ردّ عليه قائلاً بكلماتٍ ستُخلّد في التاريخ:
> “الطفلة كائن حيّ، ولها الحق أن تُعامل برحمة… تماماً كما نحمي الحيوانات.”
وفي تلك اللحظة تغيّر التاريخ. تم الحكم على المرأة التي كانت تعذب ماري إلين بالسجن، وتم إنقاذ الطفلة من بين يديها.
عاشت ماري بعدها مع عائلة طيبة، ومنحتها حياة جديدة مليئة بالحب والدفء. لكن قصتها لم تنتهِ هناك… فبسببها تأسست أول جمعية في العالم لحماية الأطفال، وهي جمعية نيويورك لمنع القسوة على الأطفال سنة 1875. ومن هناك وُلدت فكرة حقوق الطفل التي نعرفها اليوم في كل قوانين العالم.
—
طفلة صغيرة… كانت صرختها أضعف من أن تُسمع، لكنها غيّرت وجه التاريخ إلى الأبد.





