ad general
قصص قصيرة

حكاية الستر… ووصية أبويا

ads

كان فيه سر غريب بيحصل كل مرة أبويا يجهز فيها العجل. حاجة مكنتش مفهومة وأنا طفل لكنها كانت بتتكرر كأنها قانون مقدس. بعد ما الدم يهدأ وقبل ما نلم العدة كان يمد إيده على منطقة معينة في الكتف ويطلع منها عضمة بعينها… ويكسرها.
وكنت كل مرة أقوله ليه بتعمل كده يا بوي يضحك ويقولي
بكرة لما تكبر هتفهم بس الأول توعدني وعد.
أقوله وعد إيه يرد
لما تستلم مني الشغل لازم تاخد معاه وصيتين
أولهم إنك تطلع من كل عجل تجهزو ولو 2 كيلو لحمة للفقراء لأنهم كتير وحقهم علينا.
وتانيهم تكسر العضمة دي وتخبيها متبعهاش ولا تسيبها لحد حتى لو عرضوا عليك دهب الدنيا.
الوصيتين دول فضلوا على لسانه سنين وكنت أنا مش مستوعب ولا فاهم السر.
كبرت واتعلمت المهنة منه شفت بعيني قد إيه شغل الجزار فيه تعب ومشاكل ومسؤولية. كل يوم الصبح التجهيز والناس والزباين وفي وسط ده كله كان الفقراء بييجوا يقفوا قدام المحل عيونهم بس كانت بتتكلم.
وأبويا كان بيقراهم من نظرة. يقطع شوية لحمة يفرم جزء يلم العضم للشوربة ويقسمهم علىأكياس صغيرة. أول ما يقف محتاج عند باب المحل كان يديله كيس من غير ما يسأله على حاجة ويقوله بصوت عالي قدام الناس
حاسبني لما ترجع أصل مفيش فكة.
كان بيحافظ على كرامتهم وكأنه بيقول الستر مش بس لبس الستر كمان إنك تحس باللي قدامك.
أنا كبرت وكنت شايف إنه كده بيخسرنا. وفعلا لما سألته مرة
يا بوي احنا بنبيع ولا بنتبرع
قاللي جملة عمري ما نسيتها
إحنا بنشتري الستر ولو فقدته هتعرف قيمته بعدين.
لكن كنت وقتها شاب والدنيا بتغر وكنت بقول لنفسي أنا لما أستلم الشغل هظبطه على طريقتي.
وبدأت الحكاية تكمل لما قرر يجوزني بدري. سألته ليه قالي
اللي يقدر يجوز ابنه أو بنته ويسيبهم من غير زواج بيتحاسب عليهم.
وفعلا اتجوزت وربنا رزقني ببنت سماها وعد. البنت اللي خدت روح جدها في كل حاجة.
وعد كانت بنتي الوحيدة بس كانت مش أي بنت. من أول ما فتحت عنيها على الدنيا وهي روحها مربوطة بروح جدها. كانت بتسيب لعبها وكتبها وكل حاجة وتروح تقعد جنبه في المحل.
وأبويا كان بيحبها حب من نوع خاص. كانوا يقعدوا مع بعض بالساعات يضحكوا يغمزوا لبعض ويتكلموا بكلام أنا نفسي ماكنتش بفهمه. كانت وهي عندها خمس سنين تعرف توزع أكياس الصدقة وتحفظ وشوش الناس اللي بييجوا ياخدوا اللحمة كل أسبوع.
كنت أحيانا بغير أيوه كنت بغير على بنتي من جدها. بحس كأنها مش بنتي أنا كأنها بنت أبويا هو اللي مربيها على مزاجه وهي طايعة ومطيعة ليه بشكل غريب.
وأكتر حاجة كانت بتضايقني إنها بدأت تمسك السكينة وتتعلم تقطع زيها زيه بالضبط!
كنت أقول لها إنت لسه صغيرة يا وعد
ترد عليا وتقول جدو قاللي اللي يتعلم بدري يكسب ستر ربنا بدري.
كنت أضحك من كلامها وأسيبها تعمل اللي هي عايزاه وأنا جوايا حاجة بتقولي البنت دي هتكون شبه جدها أكتر من شبهك وهتفهم اللي إنت مش قادر تفهمه.
وفي يوم بدأت صحة أبويا تتدهور. رجله ما بقتش تشيله وصوته واطي والضحكة اللي كانت دايما ماليه المكان اختفت شوية بشوية.
وعد رغم إنها لسه طفلة قررت تسيب أوضتها وتنام جنب جدها. شهر كامل وهي نايمة جنبه بتأكله وتشربه وتراعيه زي ما تكون ممرضته.
كانوا ساعات بيبقوا لوحدهم يتكلموا همس وأول ما أدخل عليهم يسكتوا.
كنت بحس إن فيه حاجة بينهم وصية سر أو يمكن دعوة.
لحد ما جيه اليوم اللي كنا خايفين منه أبويا سابنا وساب المحل وساب الدنيا.
وعد انهارت. دخلت في حالة حزن مخيفة. بقت ساكتة ما بتتكلمش ما بتضحكش ولا حتى بتاكل.
الطبيبة قالت لنا إنها عندها صدمة نفسية ولازم تخرج منها بالعلاج والدعاء.
أنا كنت ما بين حزني على أبويا وهم المحل اللي بقى من غيره سايب فراغ كبير.
وبدأت أتولى المسؤولية بنفسي بس بطريقتي أنا.
قلت خلاص كفاية اللي كنا بنخسره.
الفقراء الله يسامحهم بس أنا مش فاضي.
الوصية ربنا يتولاهم برحمته.
بعد ما توفى أبويا وأنا استلمت المحل حسيت إني لازم أثبت نفسي بطريقتي الخاصة.
كنت شايف إن أبويا كان بيضيع علينا مكاسب كتير بسبب العطاء المبالغ فيه.
يعني معقول أطلع لحمة كل يوم وأوزع!
أنا عندي بيت وعيال ومسؤوليات!
قلت لنفسي كفاية اللي فات… خليها شغلانة زي أي شغلانة.
وعد بنتي ماكنتش عاجبها اللي بيحصل.
كل ما ييجي فقير ويسألني عن حاجة ألاقيها تبصلي نظرة كلها عتاب.
بس كنت أتجاهلها وأقول في نفسي أنا اللي بشقى أنا اللي أقرر.
لحد ما يوم جالي واحد من المعارف راجل ملامحه غريبة بس لهجته ناعمة وكلامه حلو.
قعد معايا في ركن بعيد في المحل وطلب مني طلب محدد جدا
أنا عايز العضمة اللي كنت دايما تكسرها زمان عضمة الكتف.
استغربت قلتله دي مابنعملش بيها حاجة.
قالي هديك عليها 10 آلاف… كاش.
كنت وقتها محاصر بالديون بنتي قربت تتخطب ومراتي صحتها مش قد كده والمحل شغله قليل.
الرقم غريني وإيدي تهزت.
رغم إني كنت عارف إن العضمة دي الناس بيستخدموها في حاجات مش سليمة
كنت عارف إنها ممكن تكون أداة لأذى لكن وقتها قلت لنفسي اللي هياخدها هو حر وأنا مالي.
وبعت أول عضمة… والفلوس دخلت جيبي وسكت صوت الضمير بس ماكانش سكوته مجاني.
مرت أيام وفرحت بوعد لما تمت خطوبتها وفرحت أكتر لما عملت لها فرح بسيط
على قدنا لكن كله كان من فلوس العضمة اللي بعتها.
وبعد الفرح بساعات رن تليفوني.
رقم جوزها بيظهر على الشاشة وصوته مرعوب.
جريت جريت وقلبي بيتحشرج في صدري لقيته فاتح الباب وشه متغير ووشه عليه علامات خوف حقيقي.

ads
1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock