ad general
قصص قصيرة

قصة شاب هندي يدعى براديومنا كومار ماهانانديا

ads

في أحد أيام عام 1975، كان شاب هندي يدعى براديومنا كومار ماهانانديا، المعروف اختصارًا بـ “بي كي”، يجلس على الرصيف المزدحم في مدينة نيودلهي، يرسم البورتريهات للمارّة بقلم الفحم، مقابل بضعة روبيات. لم يكن فنانًا عاديًا، بل كان يحمل في أنامله موهبة خارقة تجذب الأنظار، ووراء عينيه حكاية رجل ينتمي إلى طبقة منبوذة في المجتمع الهندي، لكنه يرفض أن يكون منبوذًا في الحياة.

في تلك اللحظة، توقفت أمامه فتاة أجنبية ذات شعر ذهبي وعيون زرقاء كالبحر. كانت شارلوت فون شيدفين، شابة سويدية من عائلة أرستقراطية، جاءت في رحلة روحية إلى الهند سمعَت عن فنان يرسم وجوهًا كأنها تنطق بالحياة، فقررت أن تجلس أمامه.

وبين كل خط يرسمه، كانت تنشأ بينهما خطوط من نوع آخر: خطوط القدر. نظرة، فابتسامة، فحديث خجول، فحبٌ وُلد من رماد الفحم على ورقة رسم. لم يكن هناك منطق فيما حدث، لكنه كان صادقًا. خلال أسابيع، تزوجا وفق التقاليد الهندية تحت السماء المفتوحة وأوراق الشجر.

لكن السعادة لم تدم طويلًا، فقدحان موعد عودة شارلوت إلى السويد. اقترحت عليه أن يرافقها، وعرضت أن تشتري له تذكرة طيران. لكنه رفض بلطف، وقال:

“سآتي إليكِ بطريقتي الخاصة… أنتظريني.”

ads

وما فعله بعد ذلك لم يكن مجرّد وعد، بل أسطورة.

في بداية عام 1978، ودّع بي كي أهله وأصدقاءه، وربط حقيبة صغيرة على دراجته الهوائية، وانطلق في رحلة عمره من نيودلهي إلى السويد.

نعم، على دراجة هوائية!

مرّ خلال طرق محفوفة بالمخاطر، عبر باكستان، أفغانستان، إيران، تركيا، يوغوسلافيا، ألمانيا، ثم الدنمارك… دون خريطة رقمية، دون هاتف، فقط بالإيمان والحب وعناوين مكتوبة على الورق.

نام في الشوارع أحيانًا، أكل من الصدقات أحيانًا أخرى، رسم صورًا للمارة ليكسب ما يكفي من المال ليستمر، لكنه لم يتراجع.

وبعد أربعة أشهر و7000 كيلومتر، وصل أخيرًا إلى وجهته… السويد فقط بدراجة هوائية

وعندما طرقت يداه باب منزلها، لم تكن هناك كلمات… فقط دموع.

استقبلته شارلوت كما وعدت، وبدأت فصلاً جديدًا من حياتهما. تزوجا رسميًا، عاشا في السويد،أنجبا أطفالًا، واستمر حبهما حتى اليوم.

أما هو، فقد أصبح فنانًا محترمًا، وعضوًا في المجتمع السويدي

لم يكن الوصول إلى السويد نهاية القصة… بل بدايتها الحقيقية.

عندما دخل بي كي بيت شارلوت في مدينة بوروس السويدية، لم يكن يحمل معه شيئًا سوى حبٍّ نقيّ وإيمانٍ لا يتزعزع. لم يكن يتحدث السويدية، ولا يعرف قوانين المجتمع الأوروبي، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا فقط: أنه جاء ليبني حياة مع من اختارها قلبه.

في البداية، لم يكن الأمر سهلاً. فالمجتمع السويدي، البارد بمناخه ونمطه، لم يكن يتقبل بسهولة فكرة أن فتاة من عائلة أرستقراطية سويدية ترتبط برجل جاء من قرية هندية بالدراجة. نظرات الفضول، همسات الأقارب، بل وحتى رفض البعض لهم، كانت أمورًا لا تُخفى.

لكن شارلوت لم تكن فتاة عادية، وبي كي لم يكن رجلًا قابلاً للانكسار.

بدأ بي كي يتعلم اللغة السويدية من الصفر، وكان يستيقظ كل صباح قبل الجميع، يقرأ الجمل البسيطة، يحفظ الكلمات الجديدة، ويكررها على نفسه بصوتٍ منخفض وهو يمشي في الشارعأو ينتظر في طابور.

استمر في الرسم، وعرض لوحاته في الحدائق العامة، ثم في المعارض الصغيرة، حتى بدأت الأنظار تلتفت إليه.

موهبته كانت لا تُخطئ، وخطوط فنه كانت تحكي قصة رجل انتصر على كل شيء… إلا مشاعره.

وفي إحدى الليالي، بعد عامين من استقرارهما، نظرت إليه شارلوت وهي تضع رأسها على كتفه، وسألته:

“هل كنت تعتقد يومًا أنك ستصل بي إلى هنا؟”

أجابها دون تردد:

“ما كنت لأتحرك من مكاني لو لم أكن أؤمن أنني سأصل.”

لم يكن بي كي مجرد مهاجر تقليدي، بل كان مثالًا حيًّا لما يمكن أن تفعله الإرادة. شارك في فعاليات فنية، وألقى محاضرات عن الفن والثقافة الهندية، وأصبح يُستدعى رسميًا من قبل المؤسسات السويدية ليتحدث عن تجربته.

تحول من رسّام شوارع في نيودلهي، إلى فنان يحمل اسمه توقيعًا يحترمه كبار النقاد.

لكنّ الأهم من ذلك، أنه ربّى أطفاله على أن لا يروا فرقًا بين أبيهم وأمهم… لا في اللون، ولا في الأصل، ولا في الدين. كان يقول لهم دائمًا:

“أنا لست هندوسيًا فقط، ولا سويديًا فقط…أنا إنسان، علّمني الحب أن أكون كل شيء دون أن أفقد ذاتي.”

ads
1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock