
“حين انكسر الطريق”
كانت ندى فتاة شابة، مليئة بالحياة والطموح، تمتلك ابتسامة تشع دفئًا في كل من حولها، وعيناها كانت مرآة لأحلامها الصغيرة والكبيرة. كانت تعمل في مكتبة صغيرة في قلب المدينة، وهناك التقت بسامي، شاب رقيق القلب، يحلم بحياة بسيطة لكنها مليئة بالحب. منذ اللحظة الأولى، شعر كل منهما أن قلبه وجد ملاذه في الآخر.
بدأت علاقتهما على نحو هادئ وجميل، لقاءات قصيرة في المقهى، محادثات طويلة عن المستقبل، وضحكات لا تنتهي. ومع مرور الوقت، أصبحا لا يستطيعان الاستغناء عن حضور الآخر في كل يوم من أيامهما. خططا للزواج، ووضعا معًا كل تفاصيل حلمهما، من شقة صغيرة يملؤها الحب، إلى حديقة صغيرة في البيت حيث ستحب ندى زرع الزهور.
لكن القدر لم يكن في صالحهما. في ليلة ماطرة، حين كانت ندى عائدة من العمل، وقع حادث سير مفاجئ. سيارة مسرعة فقدت السيطرة واصطدمت بها بقوة. نُقلت ندى إلى المستشفى على وجه السرعة، وكانت الإصابة جسيمة: فقدت جزءًا من حركتها وأصبحت تعتمد على الآخرين في الكثير من الأمور اليومية.
سامي، الذي كان يبدو في البداية داعمًا ومتفهمًا، بدأ يظهر وجهًا آخر. كانت أيام ندى صعبة ومرهقة، كانت تحتاج إلى صبره وحبه أكثر من أي وقت مضى، لكنه بدأ يتراجع تدريجيًا. أولًا كان غائبًا بعض الوقت، ثم اتصل به ندى لتخبره أنها بحاجة إليه فلم يرد، حتى جاء اليوم الذي لم يعد يظهر فيه أبدًا. تركها دون سبب واضح، وترك قلبها محطمًا في سرير المستشفى.
مرت ندى بأيام مظلمة، تعلمت فيها أن الحب ليس دائمًا كما نتخيله، وأن الإنسان الذي تعوّدنا عليه قد يكون ضعيفًا أمام المصاعب. لكن رغم كل الألم، قررت ألا تستسلم. بدأت تتعلم كيف تعتمد على نفسها، بدأت العلاج الطبيعي، تعلمت الحركة من جديد، ووجدت قوة في داخلها لم تكن تعرفها من قبل.
خلال هذه الفترة، تعرفت ندى على أشخاص جدد، بعضهم جرحها، وبعضهم منحها دفئًا جديدًا. كان هناك رجل يدعى فارس، صديق الطفولة، الذي كان دائمًا موجودًا في الظل. لم يحاول أبدًا اقتحام حياتها، لكنه كان الدعم الصامت الذي شعرت به. ببطء، بدأت مشاعرها تتغير، لم تنسَ سامي، لكن قلبها بدأ يتعافى.
وذات يوم، بينما كانت ندى تسير في الحديقة التي طالما حلمت بها مع سامي، قابلت فارس هناك بالصدفة. تحدثا طويلًا، وحكت له عن كل ألمها، عن خيانته العاطفية، وعن القوة التي اكتسبتها. فارس استمع بصبر، وعيناه تحملان الاحترام والحب. شعرت ندى لأول مرة منذ مدة طويلة أن قلبها قادر على الحب مجددًا، ليس حبًا مؤلمًا، بل حبًا ناضجًا وقويًا.
مرت السنوات، ونمت ندى جسديًا وروحيًا، واستطاعت أن تتحرك بشكل أفضل، وأن تعيش حياتها بصورة مستقلة. سامي حاول العودة يومًا ما بعد أن علم بمصاريف العلاج الكبيرة، لكنه وجد ندى مختلفة تمامًا، قوية، وابتسامتها لم تعد له وحده. أدرك أنه فقدها إلى الأبد، وأن الحب الحقيقي ليس من يستسلم عند أول عاصفة.
وفي النهاية، وجدت ندى مع فارس حبًا هادئًا، مبنيًا على الاحترام والمساندة. الحب الذي لم يكسرها، بل ساعدها على النهوض من جديد.
القلب الذي كان محطمًا أصبح أكثر نضجًا، والأيام الصعبة علمتها أن الحياة ليست عن من يحبنا فقط، بل عن من يبقى معنا حين تتعثر أقدامنا في الطريق.





