ad general
قصص قصيرة

قصة تم تزويد أنثى الصقر بجهاز تعقب

ads

في عالم مليء بالأسرار، تبقى الطبيعة هي المعلم الأعظم. ومن بين القصص التي تكشف عظمة المخلوقات الصغيرة أمام المسافات الشاسعة، تبرز قصة أنثى صقر صغيرة تم تزويدها بجهاز تعقّب GPS لمتابعة رحلتها الأسطورية من جنوب إفريقيا إلى شمال أوروبا. للوهلة الأولى قد يظن المرء أن هذه الطيور تطير بلا هدف واضح، لكنها في الحقيقة تملك خطة دقيقة محفورة في غريزتها منذ آلاف السنين، وكأنها تسير وفق خريطة سرية لا يملك البشر الوصول إليها.

بدأت الرحلة من سهول جنوب إفريقيا، حيث دفء الشمس وتوافر الغذاء في فصل الشتاء هناك. ومع بداية موسم الهجرة، ارتفعت أنثى الصقر بجناحيها الصغيرين لتقطع يوميًا ما يقارب 230 كيلومترًا دون أن تحيد عن مسارها. كانت تسير بخط مستقيم، تقطع الأميال فوق السهول والغابات والأنهار وكأنها تعرف الطريقمسبقًا. كل يوم يمر كان يعني معركة جديدة مع الجوع والتعب والتيارات الهوائية، لكنها تابعت وكأنها ترفض الاستسلام، مدفوعة بدافع لا يقهر: البقاء.

وعندما وصلت إلى الصحراء الكبرى في شمال إفريقيا، واجهت التحدي الأكبر. الحرارة القاسية، الأرض القاحلة الممتدة بلا نهاية، وغياب مصادر الماء. أي كائن آخر كان سيهلك هناك، لكن الصقر يعرف أن الصبر والاقتصاد في الطاقة هما سر النجاة. كانت تطير ساعات طويلة ثم تهبط لفترات قصيرة لتستعيد أنفاسها، قبل أن تقلع من جديد. كل كيلومتر كان انتصارًا على الطبيعة القاسية.

وبعد أسابيع من التحليق المتواصل، وصلت إلى وادي النيل. هناك، غيرت مسارها بدقة مدهشة، وكأنها تعرف أن النهر هو الطريق الأمثل للنجاة. عبرت فوق السودان ومصر بمحاذاة مجرى النيل، تستغل وجود الماء والغطاء النباتيالذي يتيح فرصًا للشرب والصيد. والأكثر دهشة أنها تجنبت بشكل كامل الطيران فوق البحر الأبيض المتوسط، لأنها تدرك أن العطش فوق البحر يعني الموت المحتوم.

لكن ماذا حدث بعدها؟ ولماذا قررت أنثى الصقر أن تتفادى البحر الأسود أيضًا؟ وكيف تمكنت من الوصول إلى فنلندا بعد آلاف الكيلومترات دون أن تضل طريقها؟ الإجابات تحمل مفاجأة ستبهرك
هذه القرارات لم تكن عشوائية، بل كانت جزءًا من “بوصلة داخلية” لا يعرف العلم حتى الآن سرها بالكامل. كيف لطائر صغير ألا يخطئ طريقه وسط آلاف الكيلومترات؟ كيف يعرف بدقة متى يغير مساره؟ هذه الأسئلة ما تزال لغزًا يحير العلماء حتى اليوم.

ads

وبعد رحلة امتدت أكثر من أربعين يومًا، وبمسافة تجاوزت 10,000 كيلومتر، وصلت أنثى الصقر إلى فنلندا. كانت قد عبرت القارات، واجتازت الأنهار والصحاريوالجبال، ونجت من الجوع والظمأ والعواصف، لتقف أخيرًا في مكان آمن، حيث وفرة الغذاء وفرصة التكاثر. ما يثير الدهشة حقًا أنها لم تكن ترحل لتعيش وحدها، بل لتستمر دورة الحياة، ولتضمن بقاء نسلها.

لكن الأعجب من ذلك كله، أن هذه الرحلة ليست سوى نصف القصة. فمع بداية الخريف، ستعود أنثى الصقر في رحلة عكسية إلى جنوب إفريقيا، سالكة الطريق ذاته تقريبًا، وكأنها تتبع خيطًا غير مرئي في السماء. رحلة ذهاب وإياب قد لا يجرؤ عليها الإنسان دون طائرات وأجهزة حديثة، بينما تؤديها طيور صغيرة بجناحين لا يتجاوز طولهما بضع عشرات من السنتيمترات.

ويبقى السؤال الذي يثير الفضول: كيف تحفظ هذه الطيور المسار بدقة مذهلة؟ وكيف تقرر مساراتها في مواجهة الصحاري والبحار؟ هل هي مجرد غريزة، أم أن هناك سرًّا في جينات هذه الكائنات لم يكتشفهالعلم بعد؟

ads

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock