ad general
قصص قصيرة

قصة الرجل الذي تقدم للقاضي كي ينصفه من ظلم جنود الوالي فكان القاضي جباناً وأكثر ظلماً

ads

في صباحٍ خريفيٍّ بارد، وعلى مقاعد الانتظار في دار القضاء الكبرى، جلس شيخٌ طاعن في السن، تظهر على هيئته آثار الفقر والشقاء. كان يرتدي عباءة مهترئة بالكاد تستر جسده، ويلف عمامةً بيضاء قد بهت لونها من الزمن. تتكئ يداه على عصا من خشب الزيتون، ووجهه شاحبٌ كمن حمل سنوات من القهر والخذلان.

نظر إليه الحاجب وهو يقرأ أسماء المنتظرين، ثم نادى بصوتٍ رخيم:”فليدخل الحاج أحمد بن ناصر…”

نهض الشيخُ ببطء، وبدت على ملامحه رهبة المكان، ولكن في عينيه لمع بريق أملٍ قديم لم ينطفئ.

دخل على القاضي بخطى مثقلة، ثم انحنى احترامًا وقال:”السلام عليكم ورحمة الله، أيها القاضي العادل، الجليل، النبيل…”

رد القاضي ببرود:”وعليكم السلام، اجلس أيها الشيخ وقل ما لديك.”

ads

ابتسم الشيخ، ثم قال بنبرة حزينة:”يا سيدي، أنا رجلٌ فقير، لا مال عندي، ولامنصب، ولا جاه. أُعيل زوجة وسبعة م الصغار. أعيش في مزرعة بسيطة يحيطها شجرٌ وظليل، وأملك حصانًا أصيلًا هو كل مالي، وعندي دولابان خشبيان، وقنديل ضوء… ذاك كل رزقي ومتاعي في هذه الدنيا. ولا شيء آخر أفتخر به سوى لقمة عيشي الحلال.”

رمقه القاضي بنظرة ملل، ثم قاطعه قائلًا:”قد فهمت مقصدك، أيها الشيخ الفاضل، فبلا حصانك تسوء الحال وتضيق الأحوال، فاختصر وقل لي ما تريد، ولا تُكثر من المقدّمات والتمهيد.”

هنا تغيّرت ملامح الشيخ، واغرورقت عيناه بالدموع، ثم قال بصوت متقطّع:”قبل أيامٍ معدودات، وتحديدًا في الليلة الثالثة قبل هذا اليوم، هجم على مزرعتي عدد من جند الوالي. لم يُطرق الباب، ولم يُنذر أحد. دخلوا كالأعاصير، كالطوفان، كمن لا يعرف للرحمة طريقًا. ضربوني، وداسوا على كرامتي، وأرعبوا أطفالي، وجرّوا زوجتي من شعرها، ونهبوا كلما وجدوه من مال، وأخذوا الحصان، وسرقوا القنديل، وحتى الدولابين لم يتركوهما!”

توقف الشيخ ليلتقط أنفاسه، وكان القاضي يحدّق في وجهه، غير قادر على إخفاء حيرته. ثم قال القاضي بعد صمت طويل:”وما شأننا نحن بجند الوالي؟! ألست تعلم أنهم فوق القانون؟ وأننا لا سلطان لنا عليهم؟”

رفع الشيخ بصره، وقال:”جئتُ أطلب العدالة، لا الشفقة. جئتُ أضع مظلمتي في ميزان الحق. فإن لم يكن لدار القضاء قدرة على ردّ الحق، فلماذا سُمّيتم قضاة؟”

جلس القاضي في كرسيه العالي، وحولُه السكون. أخذ يتمتم لنفسه:”ما عساي أفعل؟ إن أمرتُ بمحاسبة جند الوالي، طارت رقبتي، وإن تجاهلتُ مظلمة الشيخ، انهار ما بقي من صورة القضاء أمام الناس.”

ثم نظر إلى الرجل وقال:”اسمع أيها الشيخ، لا أستطيع أن أواجه جند الوالي، ولكنّي سأدعو الله، علّه ينزل بهم العقاب.”

رفع القاضييداه نحو السماء، وتضرّع:”اللهم يا جبار السماوات والأرض، أنزل على جند الوالي عذابك، وأرهقهم بالشقاء، واجعلهم عبرة لمن لا يعتبر.”

ثم التفت إلى الشيخ وقال بنبرة خافتة:هؤلاء قوم فُجّار، لا يعرفون الحق، ولا يخشون الحساب. ينهبون، ويظلمون، ويتلذذون بقهر الضعفاء. لا نملك لهم سلطانًا، وليس بيننا وبينهم إلا الدعاء.”

نهض الشيخ ببطء، واستدار خارجًا دون أن ينطق بحرف.

نادى عليه القاضي باستنكار:”إلى أين أيها الشيخ؟ أتخرج دون أن تلقي السلام؟!”

توقّف الرجل عند الباب، ثم التفت بوجهٍ يكسوه الغضب، وقال: “سلامٌ على من كان له قلب… أنت، يا من تُمسك زمام القضاء، لا تحكم إلا بالشتم والدعاء! فما الفرق بينك وبين جارتي الشمطاء؟! هي تلعن وتبكي وتنوح، وأنت تلعن وتدعو وتلوح، فكلكم سواء. إن كنت عاجزًا عن نصرة المظلوم، فاعتزل القضاء، ودعمكانك لمن لا يخاف إلا الله.”

ads
1 2 3الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock