ad general
قصص قصيرة

قصة بلانش مونييه مأساة فتاة هزت باريس

ads

في صباحٍ غائم من ربيع عام 1901، استيقظت العاصمة الفرنسية باريس على خبر صادم لم يكن أحد يتوقّعه، لكنه بدأ بشكل غامض جدًا. رسالة مجهولة، وصلت إلى مكتب الشرطة المحلي في حي راقٍ من أحياء باريس، لم تحمل اسم مرسلها، لكنها كانت مليئة باتهامات مخيفة.

“هناك فتاة تُحتجز في أحد منازل باريس. تعيش وسط القاذورات، . وهي ابنة لعائلة محترمة وغنية تُدعى عائلة مونييه. اذهبوا وأنقذوها، قبل فوات الأوان.”

صُعق الضباط من محتوى الرسالة، وبدأوا فورًا بفتح ملفٍ قديم كان مدفونًا في الأرشيف. ملف فتاة تُدعى بلانش مونييه، اختفت منذ 25 عامًا، وقيل آنذاك إنها هربت مع رجل رفضته عائلتها… لكن لم يتم العثور عليها أبدًا. ظل الغموض يلفّ مصيرها، واختفى اسمها بهدوء من الصحف، كما أرادت العائلة.

لكن اليوم، عادت قصتها من جديد، لا لتُروى بل لتنفجر كقنبلة هزّت المجتمع الفرنسي بأكمله.

كانت عائلة مونييه تُعد من أبرز العائلات الباريسية الأرستقراطية. رب الأسرة كان يشغل منصبًا قضائيًا رفيعًا، بينما كانت السيدة مونييه معروفةفي مجال الأعمال الخيرية والصالونات الثقافية. منزلهم الفخم كان يُضرب به المثل في الرقي والنظافة والنظام. من يجرؤ على الشك فيهم؟ لا أحد.

ads

لكن، ورغم هذا البريق، كان هناك لغز وحيد يُحيّر الجميع: ماذا حدث لابنتهم “بلانش”؟ أين ذهبت؟ لماذا لا يتحدثون عنها أبدًا؟ ولماذا كان يُمنع الخدم من الاقتراب من الطابق العلوي؟

كلما حاول أحد طرح الأسئلة، كان يُجاب بصمتٍ بارد، كأنّ الحديث عنها تابو عائلي لا يُسمح بفتحه.

بحسب أقوال بعض الخادمات اللاتي عملن سابقًا في قصر آل مونييه، كانت هناك أصوات غريبة تُسمع من الطابق العلوي في الليل. صرخات مكتومة، أنين، بكاء متواصل، كأن أحدًا يعاني من عذاب لا يُطاق.

لكن العائلة كانت حازمة في إنكار كل شيء. قالت إن المنزل قديم، وربما هذه الأصوات مجرد أوهام ناتجة عن خشب الأرضيات، أو ضجيج الرياح في الشتاء. وتم فصل أي خادمة تتحدث كثيرًا.

وهكذا، ظلّ السر قابعًا خلف جدران المنزل. إلى أن جاءت الرسالة المجهولة، فأيقظت التحقيقات من سباتها العميق.

بتوجيهات من المحقق العام، توجّهرجال الشرطة إلى منزل آل مونييه، يحملون مذكرة تفتيش رسمية. استقبلتهم السيدة مونييه بهدوء أعصاب غير مفهوم، وادّعت أن الأمر كله مجرد “ادعاءات خبيثة”.

بدأ التفتيش، كل ركن من أركان القصر كان أنيقًا نظيفًا، لا شيء يثير الريبة… حتى وصلوا إلى غرفة مغلقة في الطابق العلوي.

طلب الضباط فتحها، لكن السيدة مونييه أجابت: “لا داعي لذلك، الغرفة مهجورة منذ سنين، ولا نملك مفتاحها أصلاً.”

راود رجال الشرطة الشك. وأصرّوا على فتح الباب، حتى لو بالقوة. وبالفعل، كسروه… وكانت الصدمة.

حين فُتح الباب، اندفع إلى أنوفهم رائحة عفن لا توصف. غرفة مُظلمة بلا نوافذ، مليئة بالذباب والفضلات، وجدرانها مغطاة بطبقة سوداء من الرطوبة.

وفي وسط كل هذا، كانت هي

فتاة هزيلة، جالسة على سرير  ملفوفة بلحاف ممزق لا يكاد يغطي جسدها، شعرها طويل ومتشابك كأنه حبل، وأظافرها طويلة جدًا، ووجهها شاحب بشدة، وعيناها تحدّقان في الفراغ.

لم يكن من السهل تصديق أن هذه المرأة كانت ذات يوم بلانش الجميلة، زهرة المجتمع الباريسي. صمتالجميع من هول ما رأوه. لقد كانت تعيش هناك طوال 25 سنة في عزلة تامة!

بعد إنقاذها ونقلها إلى المستشفى، بدأت الصحف الفرنسية تتحدث. من هي هذه الفتاة التي سُجنت في منزل أهلها؟ كيف سمح المجتمع بمثل هذا؟ وكيف كانت تعيش دون أن يلاحظ أحد شيئًا؟

بلانش كانت فتاة ذكية، ذات حضور قوي، ولُقّبت في شبابها بـ “وردة باريس”. أحبت شابًا يعمل محاميًا بسيطًا، لكنه كان من طائفة البروتستانت، بينما كانت عائلتها كاثوليكية محافظة. علاوة على ذلك، كان فقيرًا وهي تنتمي إلى عائلة أرستقراطية.

رفضت أمها هذا الحب، وهددتها مرارًا، لكن بلانش كانت تكتب لحبيبها الرسائل وتلقيها من النافذة. وفي أحد الأيام، وقعت إحدى الرسائل بيد والدتها، وهنا كانت الكارثة.

قرّرت السيدة مونييه أن تُنهي هذه “الفضيحة” بطريقتها. وبالاتفاق مع زوجها، حُبست بلانش في الغرفة العلوية. وقالوا للجميع إنها هربت مع الشاب، وأغلقوا الملف.

لكن الحقيقة أنها كانت تُعذَّب بصمت، خلف جدران القصر الفخم.

مرّت سنوات، توفي والدها، لكن الأم لم تُغيّر رأيها. بلانشبقيت مسجونة، وحيدة، بلا ضوء، بلا صوت، لا تعرف إن كان الليل أم النهار.

ads
1 2الصفحة التالية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock